كتب/ تامر بسيونى
مع تصاعد سحب الحرب فوق سماء الشرق الأوسط، حيث تتصادم المصالح وتتأجج التوترات بين قطبين إقليميين رئيسيين هما إسرائيل وإيران، تجد مصر نفسها في موقع بالغ الحساسية، ليس فقط كلاعب دبلوماسي محوري، بل كدولة تواجه ضغوطاً متزايدة على حدودها، تفرضها تداعيات هذا الصراع المتوقع.
لطالما كانت الحدود المصرية، خاصة في سيناء، خط دفاع أول عن الأمن القومي للبلاد. ولكن في ظل سيناريو حرب شاملة بين إسرائيل وإيران، تتضاعف التحديات وتزداد الضغوط الدولية على هذه الحدود، ما يضع القاهرة أمام معادلة معقدة تتطلب حكمة وثباتاً.
تحديات حدودية متعددة الأوجه:
إن أولى هذه الضغوط تبرز بوضوح على الحدود الشرقية مع قطاع غزة وإسرائيل. فمع أي تصعيد عسكري كبير، يزداد القلق من احتمالية حدوث تدفقات جماعية للاجئين الفلسطينيين باتجاه سيناء. ورغم الموقف المصري الحازم والرافض تماماً لأي مخططات للتهجير القسري، الذي تعتبره القاهرة تصفية للقضية الفلسطينية وتهديداً وجودياً لأمنها القومي، فإن الضغوط الدولية، خاصة من بعض القوى الغربية التي قد تسعى لتخفيف الأعباء على إسرائيل، قد تزداد لإفساح المجال أمام تدفقات إنسانية واسعة، الأمر الذي تتعامل معه مصر بحذر شديد ووفقاً لضوابط أمنية صارمة تضمن عدم المساس بالسيادة الوطنية.
كما أن الحدود الجنوبية والغربية لمصر ليست بمنأى عن تداعيات هذا الصراع. فليبيا، التي تعاني من حالة عدم استقرار، والسودان، الغارق في صراع داخلي، يمثلان بؤرتين محتملتين لتسرب العناصر المتطرفة أو الأسلحة، خاصة إذا ما استغلت هذه المجموعات الفوضى الإقليمية. وهذا يتطلب يقظة أمنية مضاعفة على طول هذه الحدود المترامية الأطراف، وزيادة في التنسيق الأمني والاستخباراتي مع الدول المجاورة والشركاء الدوليين.
الموقف المصري: سيادة وثبات:
لقد أعلنت القيادة المصرية مراراً وتكراراً أن الأمن القومي المصري خط أحمر، وأن سيادتها على أراضيها وحدودها غير قابلة للمساومة. هذا الموقف يتجلى في رفض أي ضغوط تستهدف إجبارها على استيعاب موجات نزوح قسرية قد تزعزع استقرار سيناء أو تغير ديموغرافيتها.
إن القاهرة تدرك تماماً أن أي تساهل في هذا الملف سيفتح الباب أمام تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية لا حصر لها، ستلقي بظلالها على مستقبل الأجيال القادمة. لذا، فإن سياسة مصر تجاه حدودها، خاصة في أوقات الأزمات، تقوم على مبدأ “التحكم الكامل”؛ بمعنى أن المساعدات الإنسانية تمر عبر آليات واضحة، وأن حركة الأفراد تخضع لرقابة صارمة، لضمان عدم استغلال أي ظروف استثنائية لأغراض تهدد الأمن الوطني.
الدبلوماسية كدرع واقٍ:
لا تقتصر استجابة مصر للضغوط على الجانب الأمني والعسكري فحسب، بل تمتد لتشمل دبلوماسية نشطة ومكثفة. فمصر تستغل ثقلها الإقليمي والدولي للتأكيد على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي، ورفض أي انتهاكات للسيادة الوطنية للدول. تعمل القاهرة على حشد الدعم لموقفها الرافض للتهجير القسري، وتوضح تداعيات أي سيناريوهات قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة.
كما تدعو مصر الأطراف المتصارعة إلى ضبط النفس واللجوء إلى الحلول السلمية، وتشارك بفعالية في أي جهود إقليمية أو دولية تهدف إلى احتواء التصعيد ومنع تحول الصراع إلى حرب إقليمية مفتوحة، وهو ما سيضاعف من الضغوط على جميع حدود المنطقة.
في الختام، تجد مصر نفسها في مفترق طرق تاريخي، حيث تتداخل تعقيدات الصراعات الإقليمية مع تحديات الحفاظ على السيادة الوطنية وأمن الحدود. ورغم حجم الضغوط، فإن الموقف المصري الثابت والمتمسك بمبادئه يؤكد على أن القاهرة لن تدخر جهداً في حماية أمنها القومي، وستظل صمام أمان لاستقرار منطقة الشرق الأوسط المضطربة.