مصر لا تحتكر… بل تحمي البيت العربي
في ظل ما يشهده العالم العربي من تحديات معقدة ومتعددة، يبرز الحديث حول قيادة جامعة الدول العربية كموضوع في غاية الأهمية. وقد طُرحت في الآونة الأخيرة أفكار تدعو إلى “خروج الجامعة من احتكار الخارجية المصرية”، مع الإشادة بمعالي وزير الدولة السعودي عادل الجبير كمرشح لرئاسة جامعة الدول العربية.
ورغم الاحترام الكامل لشخص الوزير الجبير، وما يمثله من كفاءة وخبرة، فإن مثل هذا الطرح يتطلب قراءة دقيقة في السياق التاريخي والسياسي لدور مصر داخل الجامعة العربية، والابتعاد عن تبسيط الأمور أو حصرها في أسماء أو جنسيات.
مصر ليست مجرد مقر للجامعة، بل هي الدولة المؤسسة والضامنة لمسيرتها، والركيزة التي بنت عليها الأمة العربية مؤسساتها المشتركة منذ عام 1945. حملت مصر على عاتقها عبء القضايا العربية، من فلسطين إلى دعم حركات التحرر الوطني، إلى المبادرات السياسية التي سعت إلى رأب الصدع العربي في أصعب المراحل.
الحديث عن “احتكار” ليس توصيفًا دقيقًا، بل هو تجنٍّ على دور مصري تراكمي لم يأتِ بالفرض، بل بثقة العرب جميعًا في قدرة القاهرة على الجمع، لا التفريق، وعلى البناء، لا الهدم.
القيادة ليست منصبًا… بل مسؤولية تاريخية. وقيادة الأمانة العامة ليست “جائزة”، بل تكليف سياسي ودبلوماسي معقد يتطلب دراية عميقة بملفات المنطقة كافة، قبولًا عربيًا واسعًا ومتجذرًا، وخبرة تراكمية في إدارة التوازنات الحساسة. وقد أثبتت مصر عبر الأمناء العامين المتعاقبين قدرتها على ممارسة هذا الدور بروح عربية جامعة.
تصريح كمال شفيق – القيادي بحزب حماة الوطن:
“مصر لم تكن يومًا دولةً طارئة على الجامعة العربية، بل هي صانعتها وبانيتها. الحديث عن نقل الأمانة العامة لمجرد التغيير أو تحت دعاوى جغرافية يهدد استقرار المؤسسة، ويضعف وحدة الصف العربي. نحن لا نتحدث عن أسماء، بل عن دول تحمل ذاكرة الأمة، وتاريخ القيادة المصرية في الجامعة ليس تفضيلًا لمصر، بل حفاظًا على مشروع عربي متماسك.”
وفي هذا الإطار، نُلفت الانتباه إلى أن ما طرحه الدكتور عماد جاد عبر منصات التواصل الاجتماعى تحت عنوان دعوة للتفكير بهدوء . حيث علق شفيق انها دعوة هادئة تخفي وراءها هندسة جديدة للمشهد العربي، تعيد ترتيب المقاعد وتقصي التاريخ. وهنا تكمن الخطورة.
ولعل السؤال الأهم الذي ينبغي أن يُطرح هو:
إذا كانت المشكلة في الأداء العربي، فهل علاجها يكون بهدم الرمزية أم بإصلاح المؤسسة؟
رجاءً، ليكن الجواب من عمق التاريخ، لا من سطح اللحظة.
في الختام، الجامعة العربية هي بيت العرب، ومصر كانت وستظل عموده الفقري. من يريد تطوير الأداء العربي المشترك عليه أن يبني على الأساسات المتينة، لا أن يهدمها. ومصر لم تكن محتكرة للقرار، بل حامية له حين غابت المبادرة، وداعمة له حين عجز الآخرون عن التوافق.
العروبة لا تعني الموقع فقط، بل الموقف. ومصر كانت دائمًا في قلب الموقف العربي