صدى الأخبار
بقلم / د.جيهان رفاعى
كنت ذات يوم مثل شجرة وارفة الظلال مورقة، سخية الثمر، ذكية العطر، تعلق قلبى بغيمة سكنت سمائي، أظلتنى بظلها نهارا، و أنست حلكة ليلى، رأيت فيها أقواس القزح فى الشتاء الممطر، و راقبت فيها أطياف الطيور المهاجرة فى الخريف، وصور انعكاسات المروج الخضر فى الربيع، و حجبت عنى قساوة شمس الصيف، ثم مضت الفصول ولم أدرك كم فصل مضى .. وفجأة الغيمة بدأت تتلاشى وبدأت أوراقى تتساقط والجفاف يزداد على أغصانى، نظرت حولى فأدركت انى فى صحراء ليس بها سواى، رفعت رأسي لأسال غيمتى فأدركت أنه لا غيم فى السماء وان غيمتى وهم و محض سراب من خيالى، أفقت على صحراء أنكرتنى و صفعتنى بريحها، و اخرجتنى من بستان سعادتى إلى صحراء خيالى أحمل احزانى الثقيلة لا اجد ما اسد به رمقى، وبينما أنا فى حيرتى هذه اتخبطت فى ظلماتى وإذ بى أرى من بعيد واحة مليئة بالماء فأخذت أسرع الخطى نحوها على أمل الا تكون سرابا، فإذا بها واحة حقيقية لم ارى أجمل منها فى حياتى، اقتربت من مائها فإذا هو كوثر عذب تلمع قطراته كأنها حبات اللؤلؤ وتحيط بها ارض واسعة مفروشة ببساط سندسى اخضر تزينه الزهور ذات الألوان البديعة والروائح الجذابة، أسمع زقزقة العصافير وتغريد الطيور تدور من حولى و تسبح الله وتهلله، فأسرعت الخطى متوجهة نحو الغدير كى أرمى حمولى وأروى عطشى وهنا استوقفني ما رأيت إذ لفت انتباهى شيخ بشوش يجلس بجانب غدير الماء فقلت له أين أنا ؟ فتبسم الرجل الوقور الطلعة وقال لى انتى فى رحاب الايمان وحمل عنى أحمالى فشعرت بسعادة كبيرة تغمرني لأنه أراح هذا الحمل الثقيل عن ظهرى، وعندما اقتربت من الغدير لأشرب قال لى محذراً : اياكى أن تقتربى من هذا الغدير فلا يمكنك الشرب منه، وهنا تجمدت فى مكانى كمن القم حجرا وبعدها قلت يا شيخ الم تساعدني منذ قليل وتأخذ احمالى الثقيلة من على ظهرى فكيف بى الآن ارك تمنعنى من هذا الغدير وقد أخذ منى العطش كل ما أخذ ؟ فنظر إلى نظرة رحيمة تفيض عطفا وحنانا، وقال لى لا أستطيع أن أسقيك لأن كل ما ترى من نعم هنا هى ليست لى ولا أستطيع أن اسمح لكى بالشرب من هذا الغدير وهنا شعرت بحزن كبير وتساءلت فى نفسى تلك اللحظة من يكون هذا الرجل المسن؟ ثم استدرت ناحيته وسألته بالله عليك من تكون؟ فأطرق مليا وقال أنا الصبر لقد صبرت فتكفلت برفع أحزانك و همومك عنك، فقلت ومن صاحب هذا المكان؟ فقال إنه اليقين فلا ينال أحد من هذا كله، ولا يذوق حلاوة الإيمان الا من كان من المتقين فقلت له وكيف اصل الى هذا اليقين ..فقال عليكى أولا أن تكونى إنسانة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، اى تشاركى الناس همومهم و تنظرى إلى مصالح الآخرين، تتمتعى برؤية فكرية واسعة متنزهة عن الإيذاء والاعتداء و النظرات الضيقة و الانتقامات، فالإنسان لكى يزيل الحجب عن قلبه لابد أن يعرف الله حق المعرفة لأن الذين لا يعرفون الله يعصونه، كما لابد من الابتعاد عن البدع فمن ابتدع حجب عن الله فتكون بدعته حجابا بينه وبين الله حتى يتخلص منها مع المداومة على العمل الصالح الذى من شروطه الإخلاص والمتابعة والبعد عن الكبائر الظاهرة مثل الزنا وشرب الخمر والسرقة، كما لابد من البعد عن الكبائر الباطنة وهى كثيرة مثل الخيلاء والفخر والكبر والغرور وهذه الكبائر الباطنة اكبر وأعظم من الظاهرة لأنها إذا وقعت فى القلب كانت حجابا بين قلب العبد وبين الرب، كما لابد من الابتعاد عن الصغائر وكم من صغيرة أدت بصاحبها إلى سوء الخاتمة والعياذ بالله وعلينا أن لا نغفل عن ذكر الله فهى تستحكم فى القلب فلا يفارق محبوبه جل وعلا … اى يحاول تشكيل مجتمعا مفعما بالخير والبركة عندها فقط سيجد من يزيل الحجب عن قلبه و يصل به الى ما يريد..