كتبت سها البغدادي
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة المعلومات وتتدفق فيه الأخبار من كل حدب وصوب، أصبحت معركة الوعي أحد أخطر وأهم المعارك التي تواجهها المجتمعات، خصوصًا في ظل موجات الشائعات والتضليل الإعلامي التي تقودها جهات تسعى لهدم استقرار الأوطان وزرع الفتن بين أبناء الشعب الواحد.
الخطورة الحقيقية لا تكمن فقط في الكذب، بل في حرف الحقيقة وتوجيه الانتباه نحو أحداثٍ معينة، يجري تسليط الضوء عليها وتضخيمها بطريقة مريبة. إذ يتعمد داعمو تخريب الأوطان استغلال أي حادثة – مهما كانت فردية أو معزولة – لخلق حالة من الهلع والتشكيك، مستخدمين أدواتهم الإعلامية ومنصات التواصل لبث رسائل مشوهة تثير الفتنة وتضعف الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
استراتيجية الفوضى تبدأ بتهييج الرأي العام عبر اللعب على وتر العاطفة والإثارة، خصوصًا عندما يتم الزج بصور الأطفال أو النساء، أو ربط الحوادث بمفاهيم مثل “الحرية” أو “العدالة” دون سياق أو تحقق. وهنا تبدأ سياسة القطيع في ممارسة سحرها الخطير، حيث يُدفع العامة، دون تدقيق أو تفكير، إلى تبني مواقف هجومية وانفعالية بناءً على محتوى عاطفي مُفبرك أو مجتزأ.
المُحزن أن بعض الناس يُساقون وراء هذه الحملات الممنهجة من دون أن يدركوا أنهم يُستخدمون كأدوات في يد أعداء الوطن، ممن يحاولون بكل وسيلة ضرب اللحمة الوطنية في مقتل، وزرع الشك بين مكونات المجتمع، تمهيدًا لمسلسل التخريب المعروف الذي يبدأ بالفوضى الإعلامية ولا ينتهي إلا بانهيار المجتمعات.
فكيف نواجه هذه الحرب الناعمة؟
الوعي هو السلاح الأول والأهم. لا بد من نشر ثقافة التحقق من المعلومة قبل تداولها، وتعزيز ثقة المواطن في مصادر الدولة الرسمية، مع فتح قنوات تواصل شفافة تسبق الشائعات وتقطع الطريق على مروجي الفتن. كما يجب دعم الإعلام الوطني ليكون صوتًا قويًا قادرًا على الرد والتوضيح بالمهنية والسرعة المطلوبة.
إلى جانب ذلك، من المهم زرع قيم الانتماء والوعي النقدي لدى النشء والشباب، كي لا يكونوا صيدًا سهلاً للخطاب الانفعالي أو الشعارات الجوفاء. فالمعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل على العقول والقلوب، ومن يكسب هذه المعركة هو من يُحسن فهم أدوات العصر ويستخدمها لصالح الوطن، لا ضده.