كتبت د/غادة حجاج
****
في عالم الحب والعاطفة، تُعد الوعود جسرًا يُبنى بين قلبين لتعزيز الثقة وترسيخ الأمل في مستقبل مشترك. لكن عندما تتحول هذه الوعود إلى كلمات جوفاء دون فعل، تتحول إلى سكين تخترق جوهر العلاقة، وتُفقدها بريقها شيئًا فشيئًا. فالوعود الزائفة ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي إخفاء للحقيقة تحت قناع المشاعر، مما يجعلها أحد أخطر العوامل التي تؤدي إلى انهيار الحب.
تبدأ القصة غالبًا في لحظات الاندفاع العاطفي، حيث يلهث الطرفان وراء إثبات مشاعرهما عبر وعود كبيرة تُقال بلا حساب. كأن يعد أحدهم بالزواج، أو بالتغيير من سلوكه، أو بتحقيق أحلام مشتركة، لكنه يتراجع لاحقًا تحت وطأة الظروف أو بسبب عدم الجدية. هنا تظهر المشكلة الأولى: الفجوة بين القول والفعل. فالكلمات التي كانت مصدر أمان تصبح مصدر قلق، خاصة مع تكرار كسر الوعود دون اعتذار حقيقي أو محاولة للإصلاح.
الضربة الأقسى التي تسببها الوعود الزائفة هي فقدان الثقة، العمود الفقري لأي علاقة. فعندما يشعر أحد الطرفين بأن كلمات من يحب لا تحمل إلا الخداع، يبدأ الشك في التسلل. كل وعد جديد يُقابل بتردد، وكل خطوة نحو المستقبل تُحاط بأسئلة مثل: “هل سيفعل هذه المرة؟”، “لماذا أصدقه مرة أخرى؟”. مع الوقت، تتحول العلاقة إلى ساحة حرب باردة، حيث يتراجع الحميمية وتزداد المسافة العاطفية.
لا يتوقف الأمر عند فقدان الثقة، بل يمتد إلى تراكم المشاعر السلبية كالغضب والخيبة. فالشخص الذي يُكسر وعده مرارًا قد لا يدرك أن كل وعد مُخلف يُشعر شريكه بالاستهانة. هذا الألم يتحول إلى جُرح عميق، خاصة إذا كان الطرف الضعيف يُبرر الأخطاء ويغلق عينيه عن الحقائق. في النهاية، يصل الأمر إلى مرحلة يصعب فيها إصلاح ما تدمّر، فيقرر أحد الطرفين الرحيل بحثًا عن سلامه النفسي.
والأسوأ أن الوعود الكاذبة قد تُدخل العلاقة في حلقة مفرغة من الأمل والإحباط. فبعد كل خيبة، يعود الطرف المُذنب بوعود جديدة كتعويض عن فشله السابق، مما يخلق إدمانًا عاطفيًا خطيرًا. هنا يُصبح الحب أشبه بسراب، يُطارده الطرفان دون أن يدركا أنهما يبتعدان أكثر عن بعضهما.
لكن هل يعني هذا أن كل وعد غير مُتحقق هو وعد زائف؟ بالطبع لا. فالصعوبات اليومية قد تعيق الوفاء ببعض الالتزامات، لكن الفارق الجوهري يكمن في النية والجهد. فالخطأ البشري وارد، لكن الاستمرار في تقديم وعود فارغة دون محاولة حقيقية للالتزام هو علامة على عدم الاحترام وعدم النضج العاطفي.
الحل يكمن في الصدق والوضوح منذ البداية. فالحب الناضج لا يُبنى على الكلمات وحدها، بل على الأفعال التي تثبت مصداقية المشاعر. عندما يدرك الطرفان أن الوعود ليست لعبة عابرة، بل مسؤولية، يصبح بإمكانهما تجاوز التحديات دون إيذاء بعضهما. فالحب الحقيقي لا يحتاج إلى وعود ضخمة، بل إلى التزام صادق بخطوات صغيرة تتراكم لتصنع ثقة متينة لا تُهزم.
في النهاية، الوعود الزائفة ليست سوى قناع يسقط حتمًا مع الوقت، ليُظهر حقيقة العلاقة من دون رتوش. وإذا كان الحب يُبنى على الحقبة، فالثقة والأمان هما أساس بقائه. فمن الأفضل أن تُقدم أقل مما تعد، لكن بقلب صادق، بدلًا من أن تبيع أوهامًا تُحول الحب إلى ذكرى مؤلمة.