يوسف حسن –
باتت أبعاد الحرب التي أججت نيرانها إسرائيل تتوسع، في البداية، كان يُعتقد أن هذه الحرب ستقتصر على مواجهة بين إسرائيل و حماس، ولكن مع مرور الوقت، أصبح جليا أن النيران تزداد اشتعالًا دون أن تخف حدة العنف بين الطرفين.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن كل طرف، بناءً على استراتيجيته طويلة المدى التي رسمها، ينفذ خطواته التكتيكية. تمامًا كما في رقعة شطرنج، حيث يتم تحريك كل قطعة، حتى تلك التي يُخطط للتضحية بها، وفقًا لحسابات مسبقة.
حزب الله، الحوثيون في اليمن، المقاومة العراقية، و إيران كانوا من بين الجهات التي تدخلت تدريجيًا لدعم جبهة غزة في المعركة، محاولين توجيه ضربات مباشرة أو غير مباشرة ضد إسرائيل. البعض، مثل اليمن، دون سبب مباشر مسبق، والبعض الآخر، مثل إيران، بسبب الهجوم الإسرائيلي على سفارتها.
وفي المقابل، قامت إسرائيل بجمع حلفائها لمواصلة القتال. ومن الواضح أن أكبر داعم لإسرائيل هو الولايات المتحدة، التي تزودها بالأسلحة وتمنحها مساعدات مالية ضخمة. هذا المستوى من الدعم لدولة واحدة غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة. ويظهر بوضوح أن إسرائيل بالنسبة لأمريكا تمثل أكثر من مجرد دولة في قلب الشرق الأوسط. يجب اعتبار إسرائيل العمق الاستراتيجي لأمريكا في هذه المنطقة، حيث ستعمل بالتأكيد على تحقيق مصالح راعيها في الوقت المناسب.
لكن الولايات المتحدة لا تقتصر في مساعدتها لإسرائيل على أصولها الملموسة فقط، بل إن جزءًا كبيرًا من الدعم الأمريكي لإسرائيل يتمثل في أصول غير ملموسة، حيث تستغل أمريكا نفوذها وسمعتها في دول أخرى لصالح إسرائيل.
تتمتع الولايات المتحدة بقدرات كبيرة في دول منطقة الشرق الأوسط، وتقوم بتنظيمها بطريقة تحقق أقصى فائدة لدعم إسرائيل.
بعد استخدام القواعد الإماراتية لنقل البضائع والأسلحة إلى إسرائيل، وردت مرة أخرى تقارير تشير إلى الدعم العسكري والعملياتي الذي تقدمه قبرص للكيان الصهيوني بوساطة الولايات المتحدة.
من الطبيعي أنه في ظل الظروف الحالية والأزمة الراهنة، لا يستطيع موظفو السفارة الأمريكية في بيروت، الذين يعملون على جمع المعلومات، السفر مباشرة إلى إسرائيل. ذلك لأن هذه الرحلات تكون تحت المراقبة، وقد تتعرض للهجوم من قبل حزب الله، مما قد يعرض القوات الأمريكية للخطر.
لذلك، تفضل الولايات المتحدة تمديد مسار تحركاتها، حيث تنقل القوات والمعدات الداعمة أولاً إلى قبرص، ثم تُنظم رحلة أخرى إلى بيروت أو تل أبيب.
هذا يُظهر ذكاء الإدارة الأمريكية وقدرتها على استغلال جميع الإمكانيات المتاحة لتحقيق أهدافها. ومع ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي قد تنتج عن هذه الأنشطة، سواء على قواعدها العسكرية في هذه الدول أو التهديدات التي قد تواجه سيادة تلك الدول نتيجة لذلك.
التحالفات بين الدول لم تكن يومًا دائمة، كما أن الحروب بينها ليست أبدية. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، قامت الولايات المتحدة وروسيا الجديدة بخطوات وجهود جيدة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما، وكانت النتائج إيجابية، مما أثبت أن الأعداء اللدودين يمكن أن يصبحوا أصدقاء جيدين. ومع ذلك، بمرور الوقت، تصاعد النزاع مجددًا بين الولايات المتحدة وروسيا، وتحول الشركاء الاقتصاديون السابقون إلى منافسين كبار. بل إن روسيا تسعى حاليًا لإزالة الدولار الأمريكي من تعاملاتها، لضمان عدم القيام بأي خطوة تعود بالنفع على الولايات المتحدة.
أما قبرص، التي تقوم الآن بخطوات مقربة من الولايات المتحدة، فقد تجد نفسها في السنوات القادمة تواجه أزمات متعددة، هي الآن في طور زرع بذورها.
بالنظر إلى الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة ولبنان، والتي أكدت تقارير المقررين الخاصين للأمم المتحدة وقوعها، فإنه من المحتمل أن يصدر مجلس الأمن قريبًا قرارات ضد إسرائيل. وإذا تم اعتبار قبرص داعمًا لإسرائيل في أنشطتها العسكرية، فلا شك أنها ستكون شريكة في تحمل تكاليف إعادة الإعمار. هذه التكاليف التي قُدّرت حتى الآن في لبنان فقط بأكثر من 10 مليارات دولار، مع احتمال ارتفاع هذا الرقم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ما حدث في الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وهولندا، حيث خرج الناس إلى الشوارع لدعم غزة ولبنان، يمكن أن يحدث أيضًا في قبرص. وبالنظر إلى الاقتصاد القائم على أنشطة الكازينوهات، فإن أي اضطرابات داخلية يمكن أن تسبب صدمات اقتصادية سريعة لقبرص، والتي قد يكون من الصعب جدًا التعافي منها بسهولة. تمامًا كما واجهت تركيا هذه المشكلة في وقت سابق خلال الاحتجاجات الداخلية، والتي ومع مرور عدة سنوات على تلك الأحداث، لم تتمكن بعد من استعادة ذروة نشاطها السياحي.
وأكثر الاحتمالات ترجيحًا التي يمكن إدراجها ضمن قائمة التهديدات التي قد تواجهها قبرص، هو النشاط الانتقامي للجماعات التي تشارك بشكل مباشر في الصراع مع إسرائيل. فإسرائيل تحتاج إلى دعم قوي ومستمر أكثر مما تظهره لتتمكن من مواصلة أنشطتها، وإذا كان هذا الدعم يأتي من قبرص، فمن المحتمل أن يكون أحد أهداف هذه الجماعات في مواجهتها مع إسرائيل هو استهداف محور الدعم الإسرائيلي.
ذلك لأنّ تعرّض هذا المحور لأي ضرر سيجعل إسرائيل غير قادرة على القتال بسهولة في محاور متعددة. بالإضافة إلى ذلك، فإن مواجهة إسرائيل، التي تمتلك تسليحًا متطورًا وخبرة طويلة في الحروب، أصعب بكثير من تنفيذ عمليات استهدافية في قبرص التي لا تمتلك بروتوكولات أمنية معقدة.