كتب – محمود الهندي
أصدرت وزارة الثقافة، من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، ضمن إصدارات سلسلة دراسات أدبية كتاب «التأويل الثقافي.. مقاربات في السرد والنقد الشارح» للدكتور مصطفى بيومي عبد السلام.
الكتاب يضم مجموعة من المقاربات تعتمد على التأويل الثقافي، وتم تقسيمها إلى أقسام ثلاثة، اختص القسم الأول بالشعر، وقدم مقاربتين، الأولى منهما عن مقاومة السائد وتأسيس ثقافة الهامش في قافية ثابت بن جابر، والقصيدة موضع الدراسة تختلف في طبيعتها وبنيتها عن نصوص الثقافة السائدة، إنها تشير إلى الخروج والتمرد على تقاليد تلك الثقافة ونصوصها، مشكلة بذلك مجلى (تجلي) فني لرؤية الهامش للوجود والعالم، هذا المجلي الفني يقاوم السائد ويؤسس لثقافة الهامش؛ أما المقاربة الأخرى، فقد قدمت تشخيصا لفكرة استعادة الماضي في رائية الملك الضليل، للكشف عن الإشكالية المطمورة داخل النص، وليس البحث عن تصوير رحلة امرئ القيس (الشاعر الجاهلي) إلى قيصر الروم، كما طرح الشراح القدماء والمحدثون .
وانشغل القسم الثاني بالسرد، وقدم ثلاث مقاربات، ناقشت الأولى التجريب في المتخيل السردي من حيث هو محاولة للبحث عن طرق جديدة للمعرفة تتأبى على الطرق التقليدية وتقاومها وتقوضها، متسلحا بوعي ضدي يجعل الكتابة حالة من الإبداع الخلاق والابتكار غير المسبوق، الذي يتمرد على أسر الشكلية الضيقة، وينفتح على آفاق رحبة للتخييل الروائي، وقدمت قراءة الرواية «حديث الصباح والمساء» لـ نجيب محفوظ، ورواية «الثوب» لـ «طالب الرفاعي»؛ و عرضت المقاربة الثانية وجوه الآخر في رواية «الحب في المنفى» لـ «بهاء طاهر» وحددت مفهوما للآخر يتبلور في المختلف المغاير الذي لا أكونه، وهو أيضًا ذلك المختلف ثقافيًا، وعرقياً ودينيا، ومذهبياً واجتماعياً، وسياسيا، وطبقيا؛ وإذا كان هذا الآخر هو ما لا تكونه الذات، فإنه يمكن أن نتصور انقسام وعي الذات على نفسه عندما تصبح الذات ذاتا فاعلة للوعي، وذاتا منفعلة به؛ لقد رصدت الدراسة صورًا متنوعة من الآخر السياسي، والآخر الاجتماعي، والآخر العرقي؛ كما لم يفتها أن ترصد تحولات الآخر في الثنائية المتضادة للوطن والمنفى وكيف تحول الوطن إلى آخر وتحول المنفى إلى وطن .
أما المقاربة الأخيرة فوقفت على ضفاف بحيرة الهايد بارك، لترصد مذكرات ضد الذكورة؛ هذه المذكرات تسيطر عليها حالة من الانتقاد الثقافي لأوجه الممارسات العامة في العالم العربي وهي ممارسة ثقافية دالة تقف ضد أنماط التفكير السائد، فتحرض على حوار الحضارات، وقبول الآخر المختلف عرقياً ودينيا، وترفض الإرهاب والعنف، وتخطو خطوة أساسية نحو فكرة التسامح الديني، وإضافة إلى ذلك تخترق وتدمر الثقافة الذكورية المهيمنة .
أما القسم الثالث والأخير، فقد توجه إلى النقد الشارح، وقدم مقاربة توجه هاجسها الأساسي إلى رصد المقدمات النظرية في كتاب الموازنة للآمدي، واكتشاف المبدأ النظري الحاكم لهذه الممارسة النقدية، أو المبدأ النظري التأسيسي الذي يقدم تصورات نظرية عن طبيعة الشعر على وجه العموم وشعر أبي تمام والبحتري على وجه الخصوص، ومن ثم عن عملية الموازنة بينهما، وهي بذلك تهدف إلى نوع من المعرفة المعممة التي تطمح إلى تفسير الجوانب المختلفة لهذه الممارسة .