إعداد/ الدكتور نادر الصيرفي المحامي والباحث المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين
نصت المادة الثالثة من الدستور القائم على أن ” مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصة” وقد نصت الشريعة المسيحية أحكام الوصية في الفصل العاشر من لائحة 1938 بالمواد من 201 حتى 230 مبينة أحكامها العامة، والوصية بالمنافع وحدود الوصية وإثباتها.
وقد تضمنت تلك اللائحة حكماً خاصاً بالمادة (208) يجيز الوصية للوارث، وحكماً آخر بالمادة (217) يبين حدود هذه الوصية، بالمخالفة لحد الثلث المقرر بالمادة (37) من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946
وهذا يثير تساؤل هام حول مشروعية الوصية في الشريعة المسيحية واستيفاؤها أركانها الشكلية وحدودها وشروط تنفيذ وصية المسيحي لأحد ورثته، ومتى يشترط موافقة الورثة وما موقف القانون من ذلك، وما دور محكمة النقض في تأكيد هذه القواعد المتعلقة بالنظام العام؟
أولاً : تعريف الوصية :
الوصية هي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، ويجوز الرجوع فيه، وتنفذ الوصية في الحدود المقررة قانوناً.
ثانياً : العلاقة القانونية بين الوصية والأرث:
أسباب الارث في الشريعة المسيحية هي الزوجية والقرابة الطبيعية الشرعية، فالذين لا تربطهم بالمتوفى رابطة زواج كزوج الأم أو امرأة الأب ولا قرابة طبيعية كالمتبني لا يأخذون شيئاً من التركة بغير وصية، كذلك المولودون من زيجات أو اجتماعات غير شرعية لا يرثون ولا يأخذون شيئاً من التركة بغير وصية تصدر من المورث.
ثالثاً : جواز الوصية للوارث :
تجوز الوصية في الشريعة المسيحية لوراث أو غير وارث، فإن لم يكن للموصي ورثة مطلقاً كانت وصيته صحيحة لغير الوارث ولو استغرقت كل تركته، وإذا أوصى لأحد الورثة ببعض المال أخذه فوق نصيبه بشرط أن يكون داخلاً ضمن النصاب الذي يجوز الإيصاء به.
رابعاً : حدود الوصية للوارث:
القاعدة أنه لا تنفذ وصية من له ورثة إلا :
من ثلاثة أرباع، مالم يكن بين الورثة فرع وارث ( ابن أو ابن ابن وان سفل ).
فإن كان له فرع وارث ، فلا تنفذ وصيته إلا من النصف.
أما إذا كان له ولدان أو ولد ولد أو أكثر، فلا تنفذ وصيته إلا من الربع.
خامساً : بطلان الوصية :
الأصل أنه إذا أوصى شخص مسيحي بشيء من ماله لأحد ورثته يضاف هذا الشيء لنصيبه في الأرث، إلا أن ذلك مشروطاً بأن يكون في الحدود التي قررها القانون، على النحو المشار إليه في الفقرة السابقة.
أما إذا أوصى شخص لشيء من ماله لأحد ورثته فيما يتجاوز النصاب القانوني، فلا تبطل الوصية إلا بالقدر الزائد عن الحد القانوني.
واستثناء من هذه القاعدة، لا تبطل الوصية فيما زاد على النصاب القانوني، في حالة واحدة وهي اجازة أو موافقة جميع الورثة.
ويلاحظ في هذا الشأن أنه يجب لصحة موافقة الورثة تعيينهم مسبقاً، وهذا التعيين يتم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية عملاً بنص المادة 875 من القانون المدني، الأمر الذي يضيف شرطاً آخر لصحة الوصية في هذه الحالة، وهو موافقة الورثة على توزيع التركة وفقاً لشريعة المتوفى عملاً بالمادة الأولى من قانون المواريث رقم 25 لسنة 1944، الأمر الذي يعني أنه لا تكفي موافقة الورثة بإجازة الوصية لأحدهم، بل موافقتهم على توزيع التركة وفقاً للشريعة المسيحية.
سادساً : موقف محكمة النقض المصرية :
أيدت محكمة النقض جواز الوصية لوارث وفقاً للقواعد العامة، الأمر الذي يجيز للمسيحيين معه التمسك بتنفيذ الوصايا وفقاً لشريعتهم بما لا يخالف النظام العام عملاً بالفقرة الثانية من المادة الثالثة اصدار من القانون رقم (1) لسنة 2000 بشرط اتحاد الملة والطائفة.
وقد أكدت محكمة النقض في الطعن رقم 410 لسنة 73 ق – دائرة الأحوال الشخصية – جلسة 13/4/2010 – مكتب فني (سنة 61 – قاعدة 82 – صفحة 500 ) على ذلك بقولها: ” إذا كان التصرف وصية فإن المادة الأولى من قانون الوصية الصادر برقم 71 لسنة 1946 وقد اعتبرتها تصرفاً في التركة مضافاً إلى ما بعد الموت فأنها تعد بذلك تعاملاً من الموصي في تركته المستقبلية بإراداته المنفردة، وقد أجيزت استثناء بموجب أحكام الشريعة الإسلامية من المبدأ القاضي ببطلان التعامل في التركة المستقبلية وهي تصح طبقاً للقانون المشار إليه للوارث وغير الوارث وتنفذ بغير إجازة الورثة إذا كانت في حدود الثلث وذلك عملاً بالمادة 37 من قانون الوصية المشار إليه.