عزت ابو علي – بيروت
“الاستدارة نحو الشمال” خطة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للتفلّت من مأزق غزة، هذا ما تبدو عليه الصورة حتى كتابة هذه السطور.
منذ ثمانية أيام أعلن نتنياهو فتح جبهة لبنان على مصراعيها محطماً كل الخطوط الحمراء، بدءاً من مذبحة البيجير مروراً بتفجير أجهزة اللاسلكي واغتيال قادة حزب الله العسكريين في قصف الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت وصولاً إلى تنفيذ العمليات الجوية المُكثَّفة على مناطق الجنوب اللبناني والبقاع دون أيَّة ضوابط.
فكَّ نتنياهو ارتباطه بأيَّة قرارات غربية لتحييد لبنان عن حرب شاملة أو ضربات في عمقه، وشرع بتنفيذ تهديداته التي أطلقها مع وزير حربه يوآف غالانت.
منذ انطلاق جبهة الإسناد في الثامن من أكتوبر الماضي على جبهة لبنان، كان على نتنياهو الاختيار بين حرب على لبنان أو انشغاله بأكثر من مئة ألف نازح من مستوطنيه فرُّوا من المستوطنات الشمالية باتجاه داخل الكيان، إلَّا أن توازن الرعب الذي كان قائماً مع لبنان أخَّر مشروعه المُطبَّق حالياً.
كان نتنياهو يلعب بالنار منتظراً ردّة فعل حزب الله، الذي بقي مقيَّداً في عملياته تجنّباً لجرّ لبنان إلى مستنقع الحرب الشاملة وتحويله إلى غزَّة ثانية، وهذا ما شكَّل أمام تل أبيب فرصة للقيام بما أسمته الآن حرب لبنان الثالثة.
وعلى الرغم مما يجري في لبنان، فإنَّه وبقراءة مفصَّلة لما يجري يبدو أنَّ خيارات نتنياهو باتت ضيِّقة جداً، حيث حوَّل نتنياهو الحرب إلى معركة الخطر الوجودي وكأنَّه يُقاتل في آخر الحروب، بمعنى القضاء على كافة فصائل المقاومة التي تُحيط بكيانه، مع الأخذ بعين الاعتبار الدعم الأميركي اللامحدود له، إلَّا أن المفارقة بين تل أبيب وواشنطن تتجلَّى بالعامل الزمني، فالولايات المتحدة تُريد لهذا المخطط أن يسير ولكن بتوقيت زمني بحسب واشنطن أي المراحل المنفصلة عن بعضها البعض، فيما إسرائيل تُريد إنهاء الأمور بشكل سريع على اعتبار أنَّها تملك زمام المبادرة، متسلّحة بدعم واشنطن وإمكانية توريطها في مستنقع الشرق الأوسط.
هروب إسرائيل إلى الأمام، وشعورها بنشوة الانتصار لا يُلغي أنَّ الأيام القاسية تنتظرها، وهذا ما أقرَّ به نتنياهو عندما أعلن أنَّ كيانه “على أبواب أيام مُعَقَّدَة”، فهو يُدرك تماماً أنَّ ما قام به منذ ثمانية أيام لغاية اليوم هو استنفاد بنك أهدافه، دون تحقيق ما يريده وهو تغيير الوضع في الشمال بحسب تعبيره.
الكرة الآن انتقلت إلى ملعب حزب الله الذي بات مُلزَماً بإعادة تثبيت قواعد الردع والرعب على حدٍّ سواء، وهو يملك الكثير من الخيارات المتاحة أمامه، فالردّ على تهجير اللبنانيين اليوم سيُقابله توسيع قصف المستوطنات باتجاه العمق الإسرائيلي بهدف خلق مشكلة نزوح إضافية للمستوطنين أمام نتنياهو، بالإضافة إلى قيام الحزب بتدمير جميع الأهداف الذي أعلن عنها مُسبقاً في رسائل الهدهد.
من الواضح أنَّ نتنياهو أعلن الحرب الشاملة على لبنان، وربَّما يٌصعِّد باتجاه عملية بريَّة بعمق عشرة كيلومترات في عمق الأراضي اللبنانية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة لإقامة حزامه الأمني وإبعاد المقاومة عن الحدود، إلَّا أنَّ ذلك يبقى متوقفاً على قدرة المقاومة في لبنان على مقارعة ذلك وإيقاف العملية البريَّة بالنار، بالتزامن مع تدميرها لأهداف عسكرية في عمق الكيان وفي مقدمتها مراكز الاستخبارات والمطارات العسكرية وشركات تصنيع الأسلحة ويبدو أنَّها بدأت في ذلك بإطلاقها صواريخ بعيدة المدى على أهداف على مشارف تل أبيب، ودون ذلك لن يُقيَّد جنون نتنياهو وسعيه إلى تغيير خرائط الشرق الأوسط بالقوة العسكرية.