زهير بن جمعة الغزال
الأحساء
قال الناقد ناصر عبد الحفيظ، إن أغنية «يا دنيا لفي بينا» للفنان والطبيب المطرب الدكتور هيثم الشاولي، تمثل ترجمة إنسانية صادقة لأوجاع الخذلان، وفي الوقت نفسه تفتح كوة أمل في جدار الواقع القاسي.
وأوضح عبد الحفيظ، أنه وسط هذا الزخم والتنوع الهائل في الحياة، نادراً ما تستوقفك أعمال إبداعية تمتلك القدرة على ترك هذا الأثر العميق؛ أعمال قد يشبه بعضها البعض في الظاهر، لكنها تختلف في الجوهر، غير أن أغنية “يا دنيا لفي بينا” استطاعت أن تفعل ذلك بامتياز، بل وتمنح المستمع تلك الدهشة الخاصة التي تعتريك وأنت تمضي مع إحساس الفنان، متنقلاً بين اللحن، والتوزيع، والصورة البصرية، في عمل غنائي متكامل.


وأضاف عبد الحفيظ، بين مطرقة الواقع وسندان الأحلام، أطل علينا الفنان هيثم الشاولي بقطعة فنية غنائية جديدة، يقدم من خلالها لوحة إنسانية شديدة الواقعية، تلامس وتراً حساساً في قلب كل من ذاق طعم الحياة بحلوها ومرّها. إنها فلسفة التناقض الإنساني؛ الضحك والبكاء في آن واحد. تبدأ الأغنية بمدخل فلسفي عميق يصف حال البشر بدقة لافتة، حيث يستهل الشاولي غناءه بكلمات ترسم المشهد الإنساني بصدق، وناس بتضحك وناس بتبكي، الكل في سكته راضي، هنا يضعنا العمل أمام مرآة النفس، ويجعلنا نسكن تفاصيله جميعاً، حيث القلوب الطيبة والقاسية تعيش جنباً إلى جنب في عالم واحد، لكن لكل منها “دنيا ثانية” غارقة في تفاصيلها الخاصة».
وأشار عبد الحفيظ، إلى أن الدراما في هذا العمل تكشف صدمة الخذلان وعمق الجرح الإنساني، قبل أن تنتقل في شطرها الثاني إلى منطقة أكثر وجعاً، هي منطقة الخذلان ذاته، كما أن الكلمات هنا لم تكن مجرد نظم شعري، بل جاءت كصرخة عتاب هادئة لكل من خذل التوقعات، “اللي كنا فاكرينهم سند لينا، كانوا السبب في دموع عينينا”، هذا التوصيف يتجاوز حدود الحزن العابر، ليصبح رصداً دقيقاً لجراح عميقة لا تجد طبيباً ولا دواءً، خاصة حين تأتي الطعنة من قريب أو حبيب.

وتابع قائلاً، إحساس المطرب في هذا العمل يحمل نبرة تجمع بين الانكسار والكبرياء، وهي منطقة شعورية نادرة، تذيق المستمع إحساساً يصعب على الحروف أن تصف متعته، جاء أداء هيثم الشاولي مكملاً للنص الشعري ببراعة واضحة؛ ففي البداية اعتمد على نبرة المناجاة الهادئة، وكأنه يحدث نفسه في لحظة تجلٍ داخلي صادق، وفي القرارات، حمل صوته ثقل السنين والتجارب، خاصة وهو يتناول الألم الصامت الذي يعجز اللسان عن البوح به.
أما في الجوابات، ومع ارتفاع الإيقاع في “الكورس”، تحول صوته إلى نداء استغاثة ورغبة حقيقية في التغيير، وهو يطالب الدنيا بأن تدور نحو الفرح.
لقد نجح الشاولي في إيصال الصدق الشعوري دون أي مبالغة أو استعراض صوتي، ما جعل المستمع يشعر بأن الأغنية تحكي قصته الشخصية».
وعن الموسيقى، أوضح عبد الحفيظ، أن العمل يقدم رحلة موسيقية تنتقل من الشجن إلى التفاؤل، فرغم الحزن الذي يغلّف الأبيات، لم يستسلم التوزيع الموسيقي للسوداوية، بل جاءت دعوة “ع الفرحة يلا بينا” بمثابة خيط الضوء في نهاية نفق مظلم، الأغنية تخبرنا بوضوح أنه، وبرغم الحواجز التي تضعها الحياة أمام أحلامنا، يبقى الأمل دائماً في “لفة” جديدة للقدر، قد تأخذنا بعيداً عن حكايات الحزن.
وأشار ناصر عبد الحفيظ، إن أغنية “يا دنيا لفي بينا” ليست مجرد عمل غنائي عابر، بل رسالة موجهة إلى كل قلب يتعافى من صدمة، وإلى كل إنسان يحاول أن يتعلم من دروس الماضي، لقد استطاع هيثم الشاولي أن يثبت مجدداً أن الفن الحقيقي هو ذلك الفن الذي يغوص في تفاصيل الروح البشرية، ويخرج منها بكلمات تعزّينا، وتمنحنا القوة والشجاعة على الاستمرار.












