بقلم اللواء أحمد زغلول مهران
نائب رئيس حزب المؤتمر – رئيس الهيئة العليا للحزب
في وقت تواجه فيه الدولة المصرية تحديات متزايدة على الساحة الدولية، يأتي الاعتداء الأخير الذي استهدف البعثة المصرية في نيويورك ليكشف عن خلل خطير في منظومة الحماية الأمنية التي تُفترض على السلطات الأمريكية توفيرها للمقرات الدبلوماسية الأجنبية، طبقًا لما نصت عليه اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
الاعتداء – الذي تكررت أنماطه في أكثر من مناسبة – لم يكن الأول من نوعه، بل هو جزء من سلسلة من التهاونات الأمنية التي أدت في كثير من الأحيان إلى كوارث دبلوماسية وإنسانية، كما حدث في بنغازي عام 2012، أو في شرق إفريقيا عام 1998، أو حتى خلال اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد عام 2019.
ما جرى أمام القنصلية المصرية يُعد انتهاكًا صريحًا للالتزامات الدولية للولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تتعامل بالسرعة أو الحزم المطلوبين مع المعتدين، ولم تفعّل البروتوكولات الطارئة لحماية المنشآت الدبلوماسية. مثل هذا التقصير لا يمكن اعتباره مجرد خلل عابر في التنسيق، بل هو تقاعس يُهدد أرواح الدبلوماسيين والمواطنين المصريين على الأراضي الأمريكية.
وزارة الخارجية المصرية تحركت بمسؤولية، وأكدت في تصريحات أولية أنها تتابع الموقف عن كثب، وأنه تم التواصل مع الجانب الأمريكي رسميًا لمطالبة السلطات هناك بتحقيق شفاف ومحاسبة المقصرين. كما أعلنت عن استعدادها لتطبيق مبدأ “المعاملة بالمثل”، في حال استمرار هذا الإخلال، وهو مبدأ متعارف عليه في الأعراف الدبلوماسية، يستخدمه كثير من الدول لحماية سيادتها وممثليها في الخارج.
لكن في ضوء تكرار هذه الوقائع، فإن التحرك الدبلوماسي وحده لا يكفي. ومن هنا، أطرح مجموعة من التوصيات العاجلة، يجب على الدولة المصرية النظر فيها، لحماية بعثاتها وممثليها في الخارج بشكل فاعل:
أولًا، لا بد من توجيه مذكرة احتجاج رسمية إلى الحكومة الأمريكية، تُحمّل فيها المسؤولية القانونية والأمنية الكاملة عن أي تهديد يتعرض له مقر البعثة المصرية أو العاملون بها.
ثانيًا، ينبغي العمل على تشكيل لجنة وطنية عليا داخل وزارة الخارجية، تكون معنية بمتابعة أمن البعثات الدبلوماسية بالخارج بشكل دوري، وتقدم تقارير مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء حول المخاطر المحتملة والإجراءات الوقائية الواجب اتخاذها.
ثالثًا، هناك ضرورة عاجلة لإعادة تقييم المنظومة الأمنية داخل البعثات المصرية، لا سيّما في العواصم والمدن التي تشهد نشاطًا معاديًا للدولة المصرية. ويمكن تعزيز الطواقم الأمنية بعناصر مدرّبة من وزارة الداخلية أو أجهزة سيادية.
رابعًا، أوصي بالتوسع في التعاون مع منظمات دولية تراقب تنفيذ اتفاقية فيينا، والعمل على إدراج الخروقات التي تحدث في تقارير توثق تقاعس الدول المضيفة، بما فيها الولايات المتحدة.
خامسًا، يجب أن يكون للإعلام المصري دور في كشف هذه التجاوزات للرأي العام الدولي، من خلال خطاب دبلوماسي إعلامي يوضح حجم المخاطر التي تواجهها البعثات المصرية، ويكشف تهاون بعض الدول في التزاماتها القانونية.
إن حماية البعثات المصرية بالخارج ليست ترفًا دبلوماسيًا، بل هي التزام سيادي لا يقبل المساومة. وعلى الحكومة الأمريكية أن تدرك أن أمن المقرات المصرية فوق أراضيها مسؤولية لا يمكن التهاون بها، وأن مصر، دولةً وشعبًا، لن تسمح بأن يتكرر هذا المشهد دون ردٍّ حاسم.
نحن، في حزب المؤتمر، نضع كامل ثقتنا في مؤسسات الدولة المصرية، وندعم تحركها الحاسم للحفاظ على كرامة وهيبة الدولة في الخارج. لكننا، في الوقت ذاته، ندعو إلى نهج أكثر صرامة في التعامل مع كل من يهدد أو يقصّر في حماية ممثلي الدولة المصرية حول العالم