صدى الأخبار
كتب: محمد عسكر
ربما قد شاهدتم على صفحات حساباتكم على منصات التواصل الإجتماعي مقاطع فيديو لمشاهير يفعلون أو يقولون أشياء لم يفعلوها في الواقع من قبل. ولكن كيف سيكون شعورك إذا فوجئت بظهورك أنت في أحد هذه المقاطع يوما ما دون أن تعرف عن ذلك شيء، وكيف ستكون رده فعلك إذا تم استغلال صوتك ووجهك في محتوى مجهول؟ وماذا لو شاهدت نفسك فى مكان ما لم تذهب إليه من قبل؟ العقل والمنطق يرفضان تلك التساؤلات لإستحالة حدوثها، لكن في عصر التقنيات المتقدمة لا يوجد مستحيل؛ إذ أن نبرة صوتك وملامح وجهك وتعبيراتك، أصبحت أهدافاً سهلة لتقنيات وخوارزميات التزييف العميق «deep fake»، بقدراته الفائقه على طمس الخطوط الفاصلة بين الواقع والتزيف، الحقيقى والمفبرك. التزييف العميق يشمل مجموعة من التقنيات المتقدمة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي للتعامل مع مقاطع فيديو حقيقية، واستبدال صورة شخص بآخر، لإنشاء محتوى مخادع ومفبرك بدرجة عالية، ويمكن استخدامها لأغراض ترفيهية غير ضارة، وكذلك لأغراض خبيثة، مثل إنشاء أخبار مزيفة أو نشر دعاية ومعلومات مضللة، أو التلاعب بالصورأو تشويه سمعة الأفراد والشخصيات العامه.
وقد أستخدمت تقنيات التزييف العميق في بداية ظهورها للتسلية أو السخرية من النجوم، وكان من السهل معرفة الفيديو الحقيقي من المزيف لعدم الواقعية، ولكن عند تطورها وانتشارها تسببت بظهور حالات كثيرة من إساءة السمعة وإتهام النساء بمشاهد غير أخلاقية ، هذا وقد استمرت محاولات نشر الأكاذيب الموثقة بفيديوهات، وارتفعت معدل الإهانات والإزعاجات عبر الإنترنت بشكل ملحوظ فى الأونه الأخيره .وتتضمن بعض الأشكال البارزة للتزييف العميق، التلاعب الصوتي وإنشاء الصوروالفيديوهات المزيفة للأشخاص ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بغرض النصب والإحتيال وكذلك التشهير والإضرار بالسمعة، إضافة إلى نشر الأخبار الكاذبه والصور المضلله لتقويض الثقة أوالتلاعب السياسي. ولعل الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي هو الثغرة التي يتسلل منها هؤلاء المجرمون للحصول على الصور، وخاصة موقع “إنستغرام” لأنه معروف بكونه موقعا لنشر الصور ويُعد مخزناً به مليارات الصور يستطيع المجرمون استخدامها بشكل مرعب في تركيب صور وفيديوهات مزيفة.
لقد شكَّل دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى عالم صناعة الصور والفيديوهات مفترقاً مهماً، حيث بات من الممكن إنتاج صور وفيديوهات مفبركة لا يُمكن لأكثر الناس احترافاً أن يتمكن من تمييزها وإكتشافها، وهو الأمر الذي يُعتبر تطوراً مقلقاً قد يؤدي إلى إنتشار أوسع للأخبار الزائفة والصور الكاذبة. هذه التقنيات تستطيع تزييف الصور والفيديوهات وتقديمها بدقة عالية وبشكل غير قابل للتشكيك، فتبدو وكأنها حقيقية تماماً وقد يكون من الصعب اكتشاف مقاطع الفيديو المزيفة هذه لاحقا، وغالبا ما يتعين على الخبراء تحميل هذه الفيديوهات لتحليلها ثم الانتظار لساعات للحصول على النتائج. خلال هذه الفترة، التي قد تبدو قصيرة بالنسبة للبعض، يمكن للفيديو المزيف أن ينتشر بسرعة فائقة على منصات التواصل الإجتماعى والمحطات الإخباريه المختلفه ويضلل من يشاهده، مما قد يؤدي إلى عواقب سلبية وخيمه وإحداث فتنه وبلبله فى المجتمع وإنتشار نظريات المؤامرة بل و فقدان الثقة في وسائل الإعلام. وتمتد تداعيات ذلك إلى قطاعات متنوعة، أبرزها الصحافة والإعلام، حيث يقوض التزييف العميق مصداقية الصحافة عبر طمس الخط الفاصل بين التقارير الحقيقية والمحتوى المزيف. كما يمكن أن يؤدي التلاعب بالأدلة الصوتية أو المرئية إلى الإضرار بالإجراءات القانونية، ما يعيق السعي إلى تحقيق العدالة، كما يؤدي المحتوى المزيف الذي يسيء إلى المنتجات أو العلامات التجارية إلى خسائر مالية وإضرار بالسمعة، ناهيك عن الأضرار السياسية لهذا التزييف التى قد تضر بالدول والدبلوماسيين، مثل الصور التي انتشرت مؤخراً عن اعتقال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وكما أن هناك مخاطر لاستخدام تقنيات التزييف العميق يوجد أيضاً فوائد لها، ففي مجال السينما وصناعة الأفلام يمكن أن تساعد هذه التقنية في إنشاء وتصوير المزيد من المشاهد الصعبة بسهولة وبتكلفة أقل وإتقاناً أكبر، كما أنها تقلص المدة الزمنية اللازمة للتصوير، وهذا بالتالي يؤدي إلى تقليل تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح. هذه التقنيات أيضا يمكنها أن تكون حاضرة وبقوة في مجال التسويق، فهى تشكل مستقبل صناعه المحتوى ويمكن استخدامها على نطاق واسع وإيجابي وبطريقة مسؤولة ومفيدة بعيداً عن صناعة الأخبار المزيفة. التزييف العميق، يعد تطوراً طبيعياً لتقنيات الذكاء الاصطناعي، ولديه جوانب إيجابية كثيرة مفيده ، عند توظيفها بشكل صحيح، ولكن يجب أن نحذر من انتشاره في المجتمعات دون ضوابط وتشريعات محكمة، ما قد يتسبب بمخاطر وعواقب وخيمة تضر بالمجتمع أفراداً ومؤسسات. فأى تطور تكنولوجى ينبغي أن يقابله تحديثات وتطورات تشريعية مماثلة في مواد القانون تجرم إنشاء وتوزيع محتوى مزيف أو تم التلاعب به بنية ضارة، مع تغليظ للعقوبات على المنصات والأفراد المشاركين في صناعة أو نشر المحتوى المفبرك لكبح التجاوزات والجرائم التي قد تجلبها تقنيات الذكاء الاصطناعي.
هذا ونؤكد على ضروره إ ستحداث استراتيجيات للوقاية وتطوير خوارزميات ذكاء إصطناعي مضاده يمكنها اكتشاف التزييف العميق، مما يساعد على تحديد الصور والفيديوهات المفبركه، وهنا ستكون التقنيات المضادة رادعاً يجعل هناك صعوبة في إيجاد فرص لإنشاء محتوى مزيف. إن معالجة خطر التزييف العميق تتطلب إتباع نهج شامل يركز على الاستفادة من التكنولوجيا ومحو الأمية الإعلامية فضلاً عن ضرورة توفير منصات للتحقق من صحة المعلومات، على أن تدمج بأدوات التحقق التي تقيم مصداقية المحتوى قبل نشره. كما أننا ننصح الفتيات بعدم نشر صورهن الخاصة على مواقع التواصل أو الهواتف أو أي وسيلة إلكترونية لأنه يمكن استخدام تلك الصور وتزييفها.