الأحساء
زهير بن جمعة الغزال
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط المسلمينَ بتقوى الله، واجتناب أسباب سخطه والإنابةِ إليه.
وقال في خطبته التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: إنَّ في السير على خُطى سلف هذه الأمة وخيارها، خيرُ مسلكٍ لبلوغ الغاية من رضوان الله ونزول دار كرامته، إلى جوار أوليائه والصفوةِ من خلقه، وقد وجّه الله تعالى رسوله المصطفى- صلوات الله وسلامه عليه-، إلى انتهاج مناهج سلفه، من أنبياء الله ورسله والاقتداء بهم فيما هداهم الله إليه من الحق، وما أكرمهم به من البيّنات والهدى، فقال عزّ اسمه (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ).
وأوضح فضيلته أن أجمل ما اتصف به الصفوةِ من أهل الإيمان، كمالُ الحرص على سلوك سبيل الإحسان في كل دروبه، والحذر من التردّي في وَهدَة الإيذاء للمؤمنين والمؤمنات، بأي لون من ألوانه وفي أي صورةٍ من صورِه، يحدوهم إلى ذلك ويحملهم عليه، وأن ذلك الأدب الرفيع، والخلق السامي الذي رباهم عليه ربهم الأعلى سبحانه، حين بيّن لهم أنّ الصلة بين المؤمنين، هي صلة أخوّة في الدين كما قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).
وبيّن الشيخ أسامة خياط أن الأخوّةَ تعني التراحم والتوادَّ والتعاطف، والقيام بالحقوق كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:” المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة”.
وأضاف: إذا كان للإيذاء باللسان واليد، دروبٌ شتى، وألوانٌ متعددة، لا تكاد تُحصَر، فإن من أقبح صور الإيذاء، ما اجتمع فيه اللسان واليد معًا، كمن يصف المؤمن بما ليس فيه من صفاتِ السوء، يقول ذلك بلسانه ويخطه بيمينه، ليستحكم الأذى، وليشتد وقعه، وليصعب دفعه، ولذا جاء الوعيد الصارخ، والتهديد الشديد الزاجر، لكل من آذى مؤمنًا، فقال فيه ما ليس فيه، وذلك فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والحاكم في مستدركه بإسناد صحيح، عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ومن قال في مؤمن ما ليس فيه حبس في رَدَغة الخبال حتى يخرج مما قال”، ورَدَغة الخبال هي عُصارة أهل النار، وخُروجه مما قال هو بالتوبة عنه، وبأن يستحل ممن قال فيه تلك المقولة، وإنما جاءت هذه العقوبة، ليجتمع له العذابان: الاصطلاء بحرّ النار، والتأذي بعصارة أهلها.
وأشار فضيلته إلى سببٍ من أعظم أسباب الإيذاء المفضيةِ إليه، وهو اللّدَد في الخصومة، ولذا كان الألدُّ الخصٍم أبغضُ الرجال إلى الله، كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-، وجاء التحذيرُ الشديد لمن خاصم في باطل وهو يعلم، وذلك في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بإسنادٍ صحيح عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال فذكر الحديث وفيه قوله: “ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع”، أي: حتى يترك ذلك الذي وقع فيه.
وفي ختام خطبته قال فضيلته: “إن القول الحسن والكَلِمُ الطيب، أدبٌ عالٍ أخذ الله به عباده جميعًا، كما أخبر عزّ وجل عن ذلك بقوله: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)، دلالةً على أن الكلام الطيب العذب يجمل مع الأصدقاء والأعداء جميعًا، وله ثماره الحلوة، فأما مع الأصدقاء؛ فهو يحفظ مودتهم، ويستديم صداقتهم، ويمنع كيد الشيطان أن يضعف حبالهم، ويُفسد ذاتَ بينهم: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ)، وأمّا حُسنُ الكلام مع الأعداء؛ فهو إما أن يطفئ خصومتهم ويستجلب مودتهم، وإما أن يخفف عداوتهم ويدفع مكيدتهم: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).












