سمير السعد
بين زوايا مراكز الإيواء في قطاع غزة، تتوالى صور المشاهد المؤلمة. طفلٌ صغير يغلبه النعاس وهو في انتظار وجبته اليومية؛ مشهد يبدو بسيطًا لكنه يعكس خلفه آلامًا عظيمة وقصصًا إنسانية حزينة. هذه الصورة، التي تعكس البراءة والبؤس في آنٍ واحد، لا تمرّ مرور الكرام على من يمتلكون ضميرًا حيًا. يتعاقب أمامها المشاهدون، وتبقى غزة بصمودها وكبريائها تقف كشاهد على إرادة الحياة رغم كل التحديات والمآسي.
عانى قطاع غزة لسنوات من حصار خانق وحملات عسكرية تخللتها موجات من العنف والدمار، ولقد دفعت العائلات في غزة ثمناً باهظاً لهذا الوضع المأساوي. بالنسبة للأطفال، يمثل الانتظار في مراكز الإيواء أمرًا يوميًا يطغى عليه الألم ويغلبه التعب. فالطفل في تلك اللحظة لا يفكر في المستقبل البعيد، بل ينتظر لقيمات تمنحه الطاقة ليكمل يومه المتعب.
يعيش أطفال غزة تجربةً استثنائية، حياتهم مليئة بالتحديات والمصاعب التي تفرضها ظروف الحرب والحصار. الصورة التي تصوّر طفلاً تغلبه النعاس تجسد ليس فقط واقعهم اليومي بل تعطينا لمحة عن عالمهم المليء بالقهر، عالم يُمنع فيه الحلم والطموح ويغلب فيه الألم على براءة الطفولة.
رغم هذا الواقع القاسي، تظل غزة عنواناً للصمود والكبرياء. يعيش الأطفال والشباب وكل أفراد المجتمع بشموخ، يرفضون الاستسلام لليأس، ويصرون على العيش بكرامة رغم كل الصعوبات. تلك الصورة، بمشهدها المؤلم، تذكرنا أن غزة ليست مجرد منطقة جغرافية؛ بل رمز للصمود والعزة رغم الظروف القاسية.
“يُطرح السؤال ” أين الضمير العالمي من هذا المشهد الإنساني؟ أين المجتمع الدولي من معاناة الشعب الفلسطيني وخاصة الأطفال الذين يُحرمون من أدنى حقوقهم؟ تلك الصورة تنادي وتحاكي العالم بأسره، وتضع الإنسانية على المحكّ.
الصورة التي توثق طفلاً يغلبه النعاس أثناء انتظاره وجبة الطعام في أحد مراكز الإيواء بغزة ليست مجرد لقطة عابرة؛ إنها تختزل حكايات شعب يعيش في ظروف قاسية، يحاصر بالألم والفقر، لكنه لا يفقد عزيمته وصموده. في كل لحظة يغلب فيها النوم عيون الأطفال قبل أن يغلبهم الشبع، هناك رسالة عميقة تعبر عن معاناة غزة ومعاناة كل أبنائها، تحمل في طياتها ألمَ الطفولةِ التي تعيش واقعاً أبعد ما يكون عن أحلامها، لكنها أيضاً تسجل ملحمةً من الصمود والتحدي.
تلك الوجوه البريئة التي تنتظر لقيمات من الطعام تروي للعالم قصة شعب رفض الخضوع والاستسلام، وحفر على مدار السنوات بصمات من العزة والإباء، رافضاً كل محاولات التهجير أو النفي عن أرضه. في مراكز الإيواء، تحتشد آلام الناس وأحلامهم، ويكافحون وسط هذه الظروف الصعبة من أجل البقاء، وحفظ الكرامة، وحماية الأجيال القادمة من ضياع الهوية والأمل.
إنَّها ليست معركة من أجل الغذاء أو الكساء فحسب، بل معركة من أجل حقهم في الحياة بكرامة، في الحلم بمستقبل أفضل، في الحفاظ على حقهم في الأرض، والثقافة، والوجود. ولعلّ هذا المشهد الذي نمرُّ عليه نحن اليوم، سيظل وصمةً في جبين الضمير العالمي، الذي يرى هذه المعاناة ويتغافل عن واقعها، أو يقدم حلولاً مؤقتةً لا ترتقي إلى حجم التضحيات والصمود الذي يبديه هذا الشعب.
في النهاية، تبقى الصورة رمزية ولكنها عميقة المعنى؛ إنها دعوةٌ لنا جميعًا ألا نغفل عن هذه القضية، وألا نسمح للوقت أن يمحو من ذاكرتنا معاناة شعب عاش وعانى وما زال يعيش ويتحدى. تظل غزة، برغم الألم والمأساة، نموذجًا فريدًا للعزة والكبرياء، رسالة إلى كل العالم بأن إرادة الحياة أقوى من كل أشكال القهر والظلم.