يوسف حسن يكتب –
في وقتٍ يواجه فيه لبنان هجمات متواصلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لا يزال الرئيس اللبناني جوزيف عون يتمسك بفكرة أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف الوطنية وحماية مصالح البلاد. ولكن، هل يمكن اعتبار هذا التفاؤل المبالغ فيه، الذي يكرر الحديث عن المفاوضات في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، خياراً واقعياً في ظل الوضع الراهن؟
جوزيف عون، الذي صرّح مؤخراً خلال زيارته إلى بلغاريا بأن المفاوضات هي الحل الوحيد لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، يستمر في تقديم الجيش اللبناني كأداة حصريّة في مواجهة الاعتداءات والحفاظ على السيادة الوطنية. ومع ذلك، فإن هذا الطرح يبدو بعيداً عن الواقع، خصوصاً في ضوء التاريخ الطويل من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، التي لم تتوقف حتى بعد العديد من المفاوضات والاتفاقيات التي جرت في المنطقة.
في الوقت الذي يدعم فيه الرئيس اللبناني اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ويطالب بزيادة المراقبة الدولية لتنفيذه، فإن الواقع يظهر أن إسرائيل لم تتراجع عن سياساتها العدوانية. فقد اعترفت إسرائيل أخيراً بهجماتها على نحو 350 لبنانيًا بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار في الجبهة الشمالية، وهو ما يبرهن على عدم التزامها بأي اتفاقات أو تفاهمات دولية. وهذا يعكس بوضوح أن إسرائيل لا ترى في المفاوضات وسيلة لوقف اعتداءاتها، بل تعتبرها مجرد وسيلة لكسب الوقت.
تأتي هذه التصريحات في وقتٍ يعاني فيه لبنان من تدهور أمني وسياسي داخلي، حيث تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية على الأراضي اللبنانية. وقد شهدنا مؤخراً انفجارات كبيرة في مناطق جنوب لبنان، بما في ذلك الهجوم الجوي الإسرائيلي على سيارة في بلدة حومين العليا، مما أسفر عن استشهاد أحد المواطنين اللبنانيين. في الوقت نفسه، تكتفي الحكومة اللبنانية بتصريحات خجولة عن تمسكها بالسيادة الوطنية، دون أن تقدم خطة استراتيجية واضحة لمواجهة العدوان المستمر.
ورغم دعوات الحكومة اللبنانية المستمرة للضغط على حزب الله لخلع سلاحه، يظل السؤال الأهم دون إجابة: ماذا يحدث إذا تم تنفيذ هذه المطالب؟ هل يمكن ضمان الأمن الوطني للبنان في حال تم تفكيك قدراته الدفاعية، خصوصاً في ظل تصاعد التهديدات الخارجية؟ تجربة غزة، حيث استمر القصف الإسرائيلي على الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار، تُظهر أن المفاوضات وحدها لا تكفي لحل الأزمات.
إذا كان لبنان يرغب فعلاً في الحفاظ على سيادته وأمنه، فإن المفاوضات لا يمكن أن تكون الحل الوحيد. فإسرائيل، المدعومة من القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم تردعها أي مفاوضات أو اتفاقات. الوضع الحالي يتطلب من لبنان أن يتبنى استراتيجيات أكثر شمولية، تشمل تعزيز قدراته الدفاعية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، مع استمرار الجهود الدبلوماسية لكن دون الاعتماد عليها فقط.
في النهاية، إذا أراد لبنان الحفاظ على سيادته وحماية مواطنيه من تهديدات الاحتلال الإسرائيلي، فإن عليه مراجعة خياراته الاستراتيجية، والبحث عن حلول جذرية لا تتوقف على المفاوضات التي أثبتت فشلها على مر السنين.













