عريفة البراج – بيروت
سلامة الغذاء ليست رفاهية، بل ضرورة تمسّ حياتنا اليومية وصحتنا العامة. كل ما نستهلكه من طعام وشراب يؤثر مباشرة على أجسامنا، إما بشكل إيجابي يعزز صحتنا، أو بشكل سلبي يعرّضنا لمخاطر لا تُحصى. إن تناول غذاء ملوث أو غير مطابق للمعايير قد يؤدي إلى أمراض خطيرة، من التسمم الغذائي إلى أمراض مزمنة مثل السرطان والسكري، لذا فإن ضمان جودة وسلامة الغذاء لم يعد مجرد خيار، بل مسؤولية فردية وجماعية يجب أن نتحمّلها جميعًا. وهنا يأتي دور التوعية بأهمية اتباع المعايير الصحية في كل خطوة، من الإنتاج إلى التخزين والتوزيع، وصولًا إلى الاستهلاك. نحن بحاجة إلى ثقافة غذائية قائمة على الفهم العميق لمصادر الطعام، والتحقق من مكوناته، والانتباه إلى عمليات التحضير والتخزين، لأن الغذاء ليس مجرد وسيلة لسد الجوع، بل هو الوقود الأساسي لصحتنا وأدائنا اليومي.
إن شغفي بسلامة الغذاء لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة وعيي بأهمية هذا المجال وتأثيره العميق على المجتمع. لا يكفي أن نأكل، بل علينا أن نعرف ماذا نأكل، وكيف نأكل، ولماذا نختار نوعًا معينًا من الطعام دون غيره. ومن هنا، كان تخصصي في سلامة الغذاء وإدارته خطوة أساسية نحو تعزيز الوعي، والعمل على تطبيق المعايير الصحية في مختلف المجالات الغذائية، سواء في الإنتاج أو التصنيع أو التوزيع. لكن النجاح لا يأتي فقط من امتلاك المعرفة في مجال واحد، بل من التطوير المستمر واكتساب معارف جديدة. نحن نعيش في عالم لا يتوقف عن التطور، والقدرة على التعلم المستمر هي ما يجعل الإنسان قادرًا على التقدم والتكيف مع المتغيرات. التخصص الجامد لم يعد كافيًا، بل أصبح التميّز يعتمد على مدى قدرة الشخص على تنويع مهاراته ومعارفه واستثمارها في أكثر من مجال.
لذلك، لم أحصر نفسي في مجال واحد، بل درستُ البيولوجيا، سلامة الغذاء وجودته، بالإضافة إلى القانون والعلوم الاجتماعية، لأنني أؤمن أن التعددية المعرفية تمنح الإنسان أدواتٍ أقوى لمواجهة التحديات وخلق الفرص. إن المعرفة ليست مجرد شهادات، بل هي رحلة مستمرة من البحث والاستكشاف والتجربة، وهذا ما جعلني أؤمن بأن الدخول في أكثر من مجال مهني ليس رفاهية، بل ضرورة حتمية. اليوم، سوق العمل لا يرحّب بمن يمتلك معرفة واحدة، بل بمن يستطيع التنقل بين المجالات، وتوسيع دائرة خبراته، وخلق فرص جديدة لنفسه. وهذا ما جعلني أخوض تجارب متنوعة، من العيادات والمختبرات إلى المشاريع التجارية والاجتماعية، لأن كل مجال يضيف بعدًا جديدًا للفكر ويمنح صاحبه قوة واستقلالية.
رسالتي اليوم لكل شاب وشابة: لا تحصروا أنفسكم في دائرة واحدة، استثمروا في عقولكم، تعلموا باستمرار، جربوا مجالات مختلفة، لا تخافوا من التغيير، وكونوا دائمًا في تطور مستمر. التعددية المهنية والمعرفية هي سرّ النجاح في عالم لا يتوقف عن النمو، ومن يواكب هذا التطور هو من يضمن مستقبله بثقة وقوة.