كتب : ماهر بدر
انطلقت فعاليات المؤتمر السادس للمؤسسة المصرية لمطوري الجهاز الهضمي والمناظير، Digest 2025، بمشاركة واسعة من أساتذة وخبراء أمراض الجهاز الهضمي والمناظير من مختلف الجامعات والمراكز المتخصصة، لبحث أحدث المستجدات العلمية في التشخيص والعلاج، ووضع خطوط علاج محلية تعتمد على الخبرة الإكلينيكية، إضافة إلى استعراض أحدث الأدوات التكنولوجية في المناظير، وفي مقدمتها تقنيات الذكاء الاصطناعي التي باتت جزءًا أساسيًا من منظومة التشخيص الحديثة. وشهدت جلسات المؤتمر مناقشة موسعة لحالات واقعية تواجه الأطباء داخل العيادات يوميًا، بهدف إرساء أساليب عملية في اتخاذ القرار الطبي.
وفي كلمته، أكد الدكتور محمد خورشيد، استشاري الجهاز الهضمي والمناظير ورئيس المؤسسة المصرية لمطوري الجهاز الهضمي والمناظير، أن المؤتمر هذا العام ركّز على تطوير خطوط علاج محلية مبنية على التجارب والخبرات المتراكمة، موضحًا أن فلسفة المؤتمر تقوم على النقاشات التفاعلية أكثر من المحاضرات النظرية، عبر عرض حالات حقيقية تواجه الأطباء بشكل يومي، والاستماع إلى خبرات الأساتذة في كيفية إدارة هذه الحالات وفق أسس علمية دقيقة.
وأشار خورشيد إلى أن المؤتمر حرص على دمج جميع التخصصات المرتبطة بالجهاز الهضمي لضمان تقديم خدمة طبية متكاملة للمريض، مؤكدًا أن كثيرًا من الحالات التي تُشخَّص باعتبارها “قولون عصبي” قد تُخفي خلفها أمراضًا أخرى لا تُكتشف إلا عبر الفحوصات المتقدمة، لا سيما الفحوصات المناعية. وأوضح أن بعض أورام القولون، أو التهابات القولون الدقيقة، تظهر بأعراض مشابهة تمامًا للقولون العصبي في بدايتها، ما يجعل التشخيص الدقيق ضرورة قصوى.
ولفت إلى الانتشار الواسع لارتجاع المريء والجرثومة الحلزونية في مصر، مؤكدًا أن المؤتمر تناول أهمية دمج التغذية العلاجية بدلًا من اعتماد نمط المنع الكامل للطعام، من خلال توجيه المرضى لأطعمة تقلل الالتهاب وتحسن الهضم. وأضاف أن أمراض الجهاز الهضمي قد تكون مرتبطة بأجهزة أخرى مثل الأمراض المناعية والروماتيزمية، أو أمراض القلب المرتبطة بارتجاع المريء، وهو ما يستلزم رؤية تشخيصية شاملة.
وشدد خورشيد على أن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرًا محوريًا في التشخيص عبر المناظير، موضحًا أنه يسهّل على الطبيب رصد التغيرات الدقيقة داخل القناة الهضمية، خاصة في ظل انتشار الأنماط الغذائية الدسمة في المجتمع المصري.
من جانبه، قال الدكتور أحمد جلال، استشاري الجهاز الهضمي والكبد وأحد مؤسسي المؤسسة المصرية لمطوري الجهاز الهضمي والمناظير، إن المؤتمر ركّز على صياغة رؤية جديدة في تعليم الأطباء كيفية التعامل مع الحالات بداية من ظهور الأعراض وحتى التشخيص النهائي. وأضاف أن النسخة الحالية اعتمدت بشكل موسّع على منهجية Case Point التي تمكّن الطبيب من دراسة مرض واحد بعمق، بداية من المسار التشخيصي وحتى العلاج، إلى جانب مناقشة الحالات التي لا تصل إلى تشخيص واضح.
وأوضح جلال أن الاعتماد المتكرر على تشخيص “القولون العصبي” دون فحوصات كافية يمثل خطأ شائعًا، مشيرًا إلى أن الإسهال المزمن قد ينتج عن عدم تحمل اللاكتوز، أو قصور هضم الدهون والطعام، أو قصور البنكرياس، فضلًا عن الانتشار المتزايد لـ جيوب القولون. وأكد أن سرطان القولون أصبح يحتل المرتبة الثالثة عالميًا في نسب الإصابة، مشددًا على أن الفحص المبكر بعد سن 45 عامًا واكتشاف البوليبات وإزالتها يقي من الإصابة بنسبة تصل إلى 75%.
وتطرق جلال إلى انتشار الجرثومة الحلزونية، موضحًا أن المياه غير الآمنة تعد من أبرز طرق انتقالها، ودعا إلى إطلاق برامج وطنية للكشف المبكر، على غرار التجارب المطبقة في اليابان والصين، خصوصًا للعاملين في المطاعم، مع فحص أفراد الأسرة عند إصابة أحدهم. وكشف عن تراجع فعالية بعض البروتوكولات العلاجية إلى 30% فقط نتيجة الإفراط في المضادات الحيوية بعد جائحة كورونا، محذرًا من أن مقاومة الدواء قد تعني اعتماد بروتوكولين فقط لدى بعض المرضى في المستقبل.
وفي المقابل، شدد الدكتور محمد مختار مبروك، أستاذ مساعد أمراض الباطنة والمناظير بكلية طب طنطا، على أن ما يميز مؤتمر هذا العام هو تغيير أسلوب المناقشات بين الأطباء، مع التركيز على التفاعل المباشر بين مقدمي الحالات والحضور، بما يتيح تبادلًا حقيقيًا للخبرات ويساعد الأطباء على فهم الفروق الدقيقة بين الحالات المتشابهة.
وأوضح مختار أن أمراض الارتجاع المريئي تمثل إحدى أكثر المشكلات شيوعًا، لكنها تتنوع بين ارتجاع فسيولوجي يمكن أن يتحسن سريعًا، وارتجاع مرضي مزمن يتطلب فحوصات دقيقة مثل المنظار، خاصة إذا استمرت الأعراض لأكثر من 8 أسابيع أو ظهرت علامات تحذيرية مثل النزيف، الأنيميا، فقدان الوزن أو صعوبة البلع. ولفت إلى أهمية التفريق بين الارتجاع الوظيفي والارتجاع العضوي الناتج عن ضعف عضلة المريء أو الحجاب الحاجز، مشيرًا إلى أن الأعراض تختلف من شخص لآخر رغم وحدة المرض.
وقال مختار إن الجمعيات العالمية، سواء الأمريكية أو الأوروبية، تصنّف الارتجاع المريئي كأكثر أمراض الجهاز الهضمي شيوعًا، مؤكدًا أن الضغوط النفسية والتوتر والمشاعر السلبية تلعب دورًا مباشرًا في تفاقم أمراض الجهاز الهضمي. وأضاف أن تحسين نمط التغذية وتجنب الأطعمة الدسمة والمصنعة يمثلان عنصرًا أساسيًا في العلاج، إلى جانب أهمية الفحوصات الدقيقة للوصول إلى التشخيص الصحيح.
واختتم مختار بالتأكيد على أن تطوير أساليب الحوار العلمي بين الأطباء، والاعتماد على الفحوصات الإكلينيكية الدقيقة، يمثلان خطوة محورية نحو تحسين نتائج علاج أمراض الجهاز الهضمي، وتعزيز وعي الأطباء والفريق الطبي في مصر.













