كتب المستشار بهاء عز العرب النجريدى
العرب بين الانحياز الأمريكي لإسرائيل وعجز الدور العربي و الخليجي
لم يعد الانحياز الأمريكي لإسرائيل مجرد انطباع سياسي أو موقف عابر، بل تحوّل إلى سياسة راسخة تُترجم في كل أزمة تشهدها المنطقة. من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى الدعم العسكري والسياسي المفتوح، وصولاً إلى الصمت أمام استباحة السيادة العربية في أكثر من ساحة، ومنها قطر اليوم. ما يجري ليس سوى تأكيد جديد أن واشنطن لا ترى في المنطقة سوى مجال نفوذ إسرائيلي، وأن السيادة العربية مجرد ورقة قابلة للمساومة…..
…. منذ عقود طويلة، ظل الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط منحازاً بشكل صارخ لإسرائيل، ليس فقط بدعمها العسكري والاقتصادي والسياسي، بل عبر تحويل هذا الانحياز إلى قاعدة ثابتة في كل السياسات الأمريكية ،،،، هذا التوجه لم يعد خافياً على أحد، بل إنه صار يُترجم إلى خطوات عملية تمس مباشرة السيادة العربية، سواء من خلال الضغوط، أو التدخلات، أو محاولة فرض واقع جديد يتجاوز كل الأعراف الدولية. وما تشهده الساحة القطرية من استباحة وضغوط، ليس سوى صورة مصغرة لسياسات أكبر، تستهدف المنطقة برمتها.
==== المعضلة الكبرى ليست فقط في الموقف الأمريكي – فهو معروف ومتوقع – وإنما في حالة السكون العربي وغياب الموقف العربي الموحد ، والانقسام الداخلي، والعجز عن بناء موقف جماعي قادر على صدّ هذا الانحياز وفرض معادلة جديدة. فبينما تتحرك واشنطن بوضوح لمصلحة إسرائيل، ما زالت العواصم العربية تعيش تناقضات داخلية تجعلها في موقع رد الفعل لا الفعل… فلا رجاء سوى …
1. إعادة بناء الموقف الدبلوماسي العربي المشترك: عبر توحيد الخطاب داخل المؤسسات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وعدم ترك الساحة الدولية مفتوحة أمام الرواية الأمريكية والإسرائيلية.
2. التحرك القانوني والحقوقي: استخدام أدوات القانون الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة لمواجهة الخروقات المتكررة للسيادة العربية، بدل الاكتفاء بالتصريحات السياسية.
3. تعزيز البعد الاقتصادي: فالاعتماد المتبادل مع الغرب، خصوصاً في مجال الطاقة والأسواق، يمثل ورقة ضغط يمكن أن تُستخدم في إعادة التوازن إلى العلاقات.
4. بناء شراكات استراتيجية جديدة: مع قوى دولية صاعدة مثل الصين وروسيا والهند، بما يقلل من الهيمنة الأمريكية ويمنح العرب مساحة أوسع للمناورة.
المفارقة المؤلمة أن أكثر الأطراف تهافتاً على الحماية الأمريكية هم بعض دول الخليج، التي تملك من الثروة والقدرة المالية ما كان يمكن أن يجعلها مركز قوة إقليمي مستقل ، إلا أن هذه الدول اختارت الطريق الأسهل: شراء الأمن من الخارج، والارتماء تحت المظلة الأمريكية، حتى وإن كان ثمن ذلك الانصياع الكامل للسياسات الإسرائيلية.
هذا التهافت على الحماية الأمريكية جعل الخليج – باستثناءات محدودة – عاجزاً عن ممارسة دور قيادي في مواجهة الانحياز الأمريكي، بل إن بعض العواصم صارت جزءاً من المشكلة، حين منحت واشنطن غطاءً مالياً وسياسياً لمغامراتها، وفتحت الباب أمام التطبيع العلني مع إسرائيل بلا ثمن حقيقي. ….
……..المسألة لم تعد مرتبطة بقطر وحدها، ولا بمواجهة تكتيكية هنا أو هناك، بل بضرورة امتلاك رؤية عربية شاملة تتجاوز الخلافات الضيقة وتضع الأمن القومي العربي فوق كل اعتبار. فالتاريخ لا يرحم، والسياسة لا تعترف بالفراغ، وإذا لم يملأ العرب هذا الفراغ بموقف موحد وقوي، فسوف يظل الآخرون يملؤونه على حسابهم، كما يحدث الآن مع الانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل واستباحة السيادة العربية.
…..فالعالم يتغير بسرعة ، لكن العرب – وخاصة في الخليج – ما زالوا يراهنون على الحماية الأمريكية وكأنها قدر لا بديل عنه. والحقيقة أن هذا الارتهان لا يضمن لهم الاستقرار، بل يضاعف هشاشتهم ويفتح الباب واسعاً أمام استباحة سيادتهم. المطلوب اليوم ليس بيانات شجب ولا اجتماعات بروتوكولية، بل موقف عربي جريء يقول لواشنطن بوضوح: إن الأمن العربي لا يُباع ولا يُشترى، وإن زمن التبعية المطلقة قد انتهى.
بهاء عز العرب النجريدي
أستاذ بحوث القانون والإعلام