صدى الأخبار
بقلم: الدكتورة رشا العنانى
استشارية الصحة النفسية والعلاقات الأسرية
في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا وتتشابك فيه وسائل الاتصال، أصبحت السوشيال ميديا جزءًا لا يتجزأ من حياة الجميع، حتى الأطفال. ورغم ما تحمله من فرص للتعلم والتواصل، فإنها باتت تمثل خطرًا حقيقيًا على صحة أطفالنا النفسية والجسدية، وعلى نسيج الأسرة ذاته.
أولاً: الأضرار النفسية والاجتماعية
من خلال متابعتي لحالات كثيرة في العيادة، لاحظت أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي يُصيب الأطفال بعدة أعراض نفسية مقلقة، منها:
العزلة والانطواء: حيث يفضّل الطفل البقاء مع هاتفه بدلًا من التفاعل الواقعي مع الأصدقاء أو الأسرة.
فقدان الثقة بالنفس: بسبب المقارنات المستمرة بينه وبين “حياة مثالية” يراها عبر الشاشات لكنها في الحقيقة مُزيفة أو مُعدّلة.
القلق والاكتئاب: نتيجة التعرض المستمر للمحتويات السلبية أو التنمر الإلكتروني، وهو أمر شائع جدًا بين الأطفال والمراهقين.
ثانيًا: الأضرار الصحية والجسدية
تأثير السوشيال ميديا لا يتوقف عند النفس فقط، بل يمتد إلى الجسد، ومن أبرز المشاكل الصحية:
ضعف النظر بسبب الاستخدام الطويل للشاشات دون فترات راحة.
السمنة أو النحافة الزائدة، نتيجة الجلوس لفترات طويلة وقلة الحركة.
اضطرابات النوم، بسبب الاستخدام الليلي للأجهزة قبل النوم وتأثير الإضاءة الزرقاء على الساعة البيولوجية.
ثالثًا: تأثيرها على الأسرة والعلاقات الأسرية
السوشيال ميديا أصبحت جدارًا عازلًا داخل البيت الواحد؛ فكل فرد أصبح في “غرفة افتراضية” خاصة به. قلّ الحوار بين الأهل والأبناء، وتراجعت العلاقات العاطفية الدافئة التي كانت تُبنى من خلال الجلسات العائلية، والحكايات، واللعب.
نصائحي للأسرة حول الاستخدام السليم للسوشيال ميديا:
1. تحديد وقت الاستخدام: لا يجب أن يتجاوز استخدام الطفل للسوشيال ميديا ساعتين يوميًا، ويُفضّل أن يكون تحت إشراف الأهل.
2. القدوة أولًا: لن يستجيب الطفل لنصائحنا إذا كنا نحن غارقين في هواتفنا. فلنبدأ بأنفسنا.
3. محتوى هادف وآمن: راقب ما يشاهده طفلك، ووجّهه إلى صفحات تعليمية أو ترفيهية تناسب سنه وتُنمّي مهاراته.
4. البدائل الواقعية: شجع الطفل على ممارسة الرياضة، القراءة، الرسم، أو أي هواية تُبعده عن الشاشات.
5. الحوار اليومي: خصّص وقتًا للحديث مع أطفالك عن يومهم، مشاعرهم، وأي شيء يُزعجهم، حتى ولو بدا بسيطًا.
الخلاصة
السوشيال ميديا ليست عدوًا في حد ذاتها، لكن سوء استخدامها هو ما يجعلها خطرًا. أطفالنا بحاجة إلى توازن، توعية، واحتواء، وليس فقط إلى تحذيرات. نحن كأهل، المعلم الأول، والمرآة التي تنعكس فيها تصرفاتهم.
فلنُحسن استخدام هذه الوسائل، ولنكن معًا في رحلة حماية جيل المستقبل من أخطار ناعمة، لكنها عميقة التأثير.