كتب عمرو الجندى
عمان .
شهدت دائرة المكتبة الوطنية في العاصمة الأردنية عمّان مساء الثلاثاء الموافق 7 يناير 2025 فعالية ثقافية متميزة تمثّلت في حفل إشهار كتاب “أنشودة الخلود – معراج الشعر وتجربة العبور” للكاتبة اللبنانية سناء يحفوفي، وذلك برعاية الأديبة والناقدة سارة طالب السهيل، وبمشاركة نخبة من الأدباء والنقاد والإعلاميين من الأردن وعدد من الدول العربية.
جاءت الأمسية محمّلة بروح الشعر والتأمل، حيث امتزجت الكلمات بالنصوص الفلسفية والرؤى الجمالية، لتشكل فضاءً ثقافيًا نابضًا بالحوار والتفاعل.
استُهل الحفل بكلمة وجدانية ألقاها الفنان والإعلامي أسعد خليفة، عبّر فيها عن رمزية المكان ودفء الحضور، مشيدًا بعراقة عمّان كحاضنة للثقافة والإبداع.
قال خليفة:
“نحن الليلة في حضرة الشعر والشعور، نمتطي معراج الكلمة ونصدح بأنشودة الخلود، مع ثنائي إبداعي نحسبه جاءنا من عالم لا ندرك مكنونه ولا مكانه”.
وفي تحية مؤثرة لغزة في ذكرى السابع من أكتوبر، أضاف:
“نقف خجلين أمام صمودكم، وجلين أمام عنادكم، وما يُقدَّم إليكم الآن يأتي متأخرًا جدًا، قليلًا جدًا، ورخيصًا جدًا”.
قدّمت راعية الحفل، سارة طالب السهيل، دراسة نقدية معمّقة تناولت البنية الفكرية والجمالية للكتاب، مؤكدة أن “أنشودة الخلود” تمثل تجربة إنسانية تعيد للشعر روحه الفلسفية، وتغوص في تأملات الوجود والخلود، وتعيد الاعتبار للكلمة بوصفها أداةً للوعي لا مجرد زخرفة لغوية.
من جانبها، ألقت سناء يحفوفي مقاطع شعرية وتأملية من نصوص الكتاب، عبّرت فيها عن رؤيتها للشعر كمعراجٍ نحو الذات والكون، وقالت:
“كل خفقةٍ فينا تهزّ الكِيان ترتقي بنا إلى حافة النشيد، وكلّ رجفةٍ تُطلق الصّوت من أغوار الوجود؛ إنّه الشّوق المتوقّد، جمرٌ نلقيه في قلب الأكوان، فيرتدّ علينا صورةً أصفى”.
وتابعت:
“ولتكن اللّحظة الأخيرة عبورًا بلا قيود، حيث يذوب الفناء في ضوء المجد، وتصبح القصيدة نهرًا ينساب عبر الزمن، يحمل الإنسان من على ضفاف الأبجديّة إلى ضفاف الأبديّة، ويفتح أمامه أبواب الكينونة التي لا تغيب، ليظل النّبض حيًّا، والحرف خالدًا، والروح متّقدةً بالضّوء الأزليّ”.
قدّم الأستاذ الدكتور إسماعيل السعودي قراءة فلسفية وجمالية للكتاب، اعتبر فيها أن “أنشودة الخلود” نصٌّ يتجاوز النقد التقليدي، ويقترح مفهوم “المعراج الشعري” بوصفه مدخلًا تأويليًا لفهم الشعر كطقس وجودي.
قال السعودي:
“الكاتبة تشتغل على تقاطع الرؤيا مع اللغة، وتستثمر الرمز والتناص الروحي والميثولوجي لتقديم قراءة تتجاوز أدوات النقد المعهودة، وتعيد تشكيل التجربة لا تفسيرها فقط”.
وأضاف:
“أنشودة الخلود نصٌّ يُنصت للقصيدة ويقيم داخل منطقة التوتر بين التحليل والانخطاف، حيث لا تنفصل الفكرة عن الإحساس، ولا ينفصل التأويل عن الانخطاف الجمالي”.
أما الدكتور سلطان المعاني، فقد وصف الكتاب بأنه “نصٌّ يتجاوز حدود التصنيف، ويغوص في جوهر الشعر بوصفه فعلًا وجوديًا”، مشيرًا إلى أن العمل يذكّرنا بأن الشعر ليس ترفًا لغويًا، بل صرخةٌ تبحث عن ضجيج الروح، وتستدعي الإبداع من أعماق الذات.
وفي مداخلته، قال الشاعر والناقد الدكتور عدنان السعودي:
“أنشودة الخلود مرآةٌ فكرية تعكس قلق الإنسان المعاصر، وتعيد الاعتبار للكلمة بوصفها أداةً للخلاص لا للزينة، وتُعيد الشعر إلى مقامه الأول الذي يعبر بين الفكر والفلسفة، ويستعيد دوره في تشكيل الوعي الإنساني”.
وفي ختام الأمسية، عبّرت سناء يحفوفي عن رؤيتها للكتاب كعبور عبر اللغة إلى عمق التجربة الإنسانية، مؤكدة أن الشعر ليس حالة وجدانية عابرة، بل وعيٌ متجدّد بالوجود، وقالت:
“كل نص شعري يولد من عمق التجربة الإنسانية يحمل في طياته بذرة الأبدية، لأن الكلمة الصادقة لا تموت، بل تظل تتردّد في وجدان القرّاء عبر الأجيال”.
وأضافت:
“الكتابة بالنسبة لي ليست مجرّد فعل إبداعي، بل عبور نحو وعيٍ أوسع، وكلّ قصيدة تحمل بذرة خلاصٍ من الفناء، ورغبة في بلوغ الخلود من خلال الجمال والمعنى”.
اختُتم الحفل بتكريم المشاركين وتوجيه الشكر لكل من أسهم في إنجاح الأمسية، وسط تفاعل كبير من الحضور مع ما حملته الكلمات من رؤى نقدية وتأملات جمالية وإنسانية، أكدت أن “أنشودة الخلود” ليست مجرد كتاب، بل تجربة فكرية وشعرية تستحق الوقوف عندها طويلًا، وتفتح أمام القارئ أبوابًا جديدة للتأمل في جوهر الشعر والوجود، وتعيد الاعتبار للكلمة بوصفها معراجًا نحو الخلود.