سمير باكير، يكتب:
تشهد إسرائيل، في الآونة الأخيرة، تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة العزلة الدولية، نتيجة استمرارها في سياسات الاحتلال والاستيطان والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، خصوصًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولعلّ أبرز هذه المؤشرات كان قرار “صندوق الثروة السيادي النرويجي” – أكبر صندوق سيادي في العالم – سحب استثماراته من شركة “باز ريتيل آند إنرجي” الإسرائيلية، بسبب دورها في تزويد المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية بالوقود، وهو ما يشكل خرقًا للقانون الدولي الإنساني.
لكن هذه ليست الخطوة الوحيدة. فقد شهدنا في الأسابيع والأشهر الماضية سلسلة من التطورات التي تُعبّر عن تغير المزاج الدولي تجاه إسرائيل:
1. وقف رحلات جوية إلى إسرائيل: عدد من شركات الطيران العالمية الكبرى – مثل “لوفتهانزا” الألمانية و”إير فرانس” و”بريتيش إيرويز” – أوقفت مؤقتًا أو جزئيًا رحلاتها إلى تل أبيب، خاصة في ظل التصعيد العسكري على غزة، واعتبارات تتعلق بأمن الركاب. هذا التوقف لا يُنظر إليه فقط من زاوية أمنية، بل أصبح أيضًا فعلًا ذا دلالة سياسية ضمن الضغوط غير المباشرة.
2. إلغاء فعاليات ومشاركات ثقافية ورياضية: تمّ مؤخرًا إلغاء عدة فعاليات ثقافية وموسيقية كانت مقررة في إسرائيل، بعد ضغوط جماهيرية وفنية، بحجّة رفض التطبيع مع الاحتلال. كما شهدنا انسحاب رياضيين من منافسات دولية بسبب مشاركة إسرائيل فيها.
3. قرارات برلمانية وتوصيات أوروبية: شهدت عدة برلمانات أوروبية نقاشات علنية حول الاعتراف بدولة فلسطين، وطرحت مشاريع قوانين لفرض حظر على بيع الأسلحة لإسرائيل. كما أوصى “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة بإجراء تحقيقات إضافية في جرائم محتملة ارتكبتها إسرائيل في غزة.
4. حملات المقاطعة (BDS): تتسع حملات المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية والثقافية في أنحاء متزايدة من العالم، خصوصًا في الجامعات الغربية. هذه الحملات لم تعد محصورة في الأوساط الشعبية، بل بدأت تجد صدى في المؤسسات الرسمية، مثل المجالس البلدية والنقابات.
هذه التطورات تعكس تحولًا جوهريًا في النظرة العالمية لإسرائيل. إذ لم تعد تُعامل كدولة “طبيعية” في النظام الدولي، بل بات يُنظر إليها باعتبارها دولة احتلال تنتهك مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان بشكل ممنهج. وهذا يضعها في موقع مساءلة مستمرة.
إن العزلة لا تحصل دفعة واحدة، بل عبر سلسلة من التراكمات الرمزية والعملية، والقرارات الفردية والجماعية التي تُنتج بيئة دولية طاردة للسياسات الإسرائيلية. وكلما استمرّت تل أبيب في تجاهل هذه الرسائل، كلما اتسعت دائرة العزلة وارتفعت كلفة الاستمرار في سياساتها.
ما نشهده اليوم ليس مجرد احتجاجات متفرقة، بل إرهاصات لتحوّل استراتيجي في مواقف الدول، والمؤسسات، والرأي العام العالمي تجاه إسرائيل، وهي مقدّمة لمرحلة جديدة من المساءلة الدولية.